الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **
في ثالث المحرم: أنعم بخبز الأمير كوجري أمير شكار على الأمير بشتاك. وفي خامس عشريه: قدم الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك من الحجاز بالحجاج. وفي سابع عشريه: قدمت رسل القان أبي سعيد فأكرموا وأعيدوا في رابع صفر. وفي المحرم: هذا وشى بالأمير شمس الدين آقسنقر شاد العمائر أن جميع عمائره وأملاكه التي استجدها مما يأخذه من الأسرى وأرباب الصنائع فرسم عليه مالاً ألزم به فاعتنى به الأمير قوصون وشفع فيه فأفرج عنه وأخرج إلى الشام. وفيه وردت مكاتبة الأمير تنكز نائب الشام بالشكوى من الأمير طينال نائب طرابلس وترفعه
عليه فكتب بالإنكار عليه وألا يكاتب في المهمات وغيرها إلا نائب الشام ولا يجهز بعدها مطالعة إلى مصر. وفي سابع ربيع الأول. قدم دمرداش بن جوبان بن تلك بن تداون. وسبب ذلك أن القان أبا سعيد بن خربندا لما ملك أقبل على اللهو فتحكم الأمير جوبان بن تلك على الأردو وقام بأمر المملكة واستناب ولده دمشق خواجا بالأردو وبعث ابنه دمرداش إلى مملكة الروم. فانحصر أبو سعيد إلى أن تحرك بعض أولاد كبك بجهة خراسان وخرج عن الطاعة فسار جوبان لحربه في عسكر كبير فما هو إلا أن بعد عن الأردو قليلاً حتى رجع العدو عن خراسان وقصد جوبان العود. وكان قد قبض بوسعيد على دمشق خواجا وقتله بظاهر مدينة السلطانية في شوال من السنة الماضية وأتبع به إخوته ونهب أتباعهم وسفك أكثر دمائهم وكتب إلى من خرج من العسكر مع جوبان بما وقع وأمرهم بقبضه وكتب إلى دمرداش أن يحضر إلى الأردو وعرفه شوقه إليه ودس مع الرسول إليه عدة ملطفات إلى أمراء الروم بالقبض عليه أو قتله وعرفهم ما وقع. وكان دمرداش قد ملك بلاد الروم جميعها وجبال ابن قرمان وأقام على كل دربند جماعة تحفظه فلا يمر أحد إلا ويعلم به خوفاً على نفسه من السلطان الملك الناصر أن يبعث إليه
فداويا يقتله بسبب ما حصل بينهما من المواحشة التي اقتضت انحصار السلطان منه وأنه منع التجار وغيرهم من حمل المماليك إلى مصر وإذا سمع بأحد من جهة صاحب مصر أخرق به. فشرع السلطان يخادعه على عادته ويهاديه ويترضاه وهو لا يلتفت إليه فكتب إلى أبيه جوبان في أمره حتى بعث ينكر عليه فأمسك عما كان فيه قليلاً ولبس تشريف السلطان وقبل هديته وبعث عوضها وهو مع هذا شديد التحرز. فلما قدمت رسل أبي سعيد بطلبه فتشهم الموكلون بالدربندات فوجدوا الملطفات فحملوهم وما معهم إلى دمرداش. فلما وقف دمرداش عليهما لم يزل يعاقب الرسل إلى أن اعترفوا بأن أبا سعيد قتل دمشق خواجا وإخواته ومن يلوذ بهم ونهب أموالهم وبعث بقتل جوبان. فقتل دمرداش الرسل وبعث إلى الأمراء أصحاب الملطفات فقتلهم أيضاً وكتب إلى السلطان الملك الناصر يرغب في طاعته ويستأذنه في القدوم عليه بعساكر الروم ليكون نائباً عنه بها. فسر السلطان بذلك. وكان قد ورد على السلطان كتاب المجد السلامي من الشرق بقتل دمشق خواجا واخوته وكتاب أبي سعيد بقتل جوبان وطلب ابنه دمرداش وأنه ما عاق أبا سعيد عن الحركة إلا كثرة الثلج وقوة الشتاء. فكتب السلطان الناصر جواب دمرداش يعده بمواعيد كثيرة ويرعبه في الحضور. فتحير
دمرداش بين أن يقيم فيأتيه أبو سعيد أو يتوجه إلى مصر فلا يدري ما يتفق له. ثم قوي عنده المسير إلى مصر وأعلم أمراءه أن عسكر مصر سار ليأخذ بلاد الروم وأنه قد كتب إليه الملك الناصر يأمره أن يكون نائبه فمشى عليهم ذلك وسرهم. وأخذ دمرداش يجهز أمره وحصن أولاده وأهله في قلعة منيعة وبعث معهم أمواله ثم ركب بعساكره حتى قارب بهسنا فجمع من معه وأعلمهم أنه يريد مصر وخيرهم بين العود إلى بلادهم وبين المسير معه فعادوا إلا من يختص به. وسار دمرداش إلى بهسنا في نحو ثلاثمائة فارس فتلقاه نائبها ومازال حتى قدم دمشق يوم الأحد خامس عشرى صفر فركب الأمير تنكز إلى لقائه وأنزله بالميدان وقام له بما يجب وجهزه إلى مصر بعد ما قدم بين يديه البريد بخبره. فبعث إليه السلطان بالأمير سيف الدين طرغاي الجاشنكير ومعه المهمندار بجميع الآلات الملوكية من الخيام والدهليز والبيوتات كلها إلى غزة فلقوه بها وأقام فيها يومين وسافر إلى القاهرة فركب الأمراء إلى لقائه وخرج السلطان إلى بر الجيزة ورسم أن يعدي النيل إليه. فلما قدم دمرداش إلى القاهرة في سابع ربيع الأول أتاه الأمير طايربغا وأحضره إلى السلطان بالجيزة فقبل الأرض ثلاث مرات. فترحب السلطان به وأجلسه بالقرب منه وباسطه وطيب
خاطره وسأله عن أحواله وألبسه تشريفاً عظيماً وركب معه للصيد وعدى به النيل إلى القلعة وأسكنه بها في بيت الجاولي ورتب له جميع ما يحتاج إليه ورسم للأمير طوغان أن يدخل صحبة طعامه بكرة وعشيا. وفي عاشره: قدم دمرداش مائة إكديش وثمانين بختيا وخمسة مماليك وخمس بقج فيها الثياب الفاخرة منها بقجة بها قباء أطلس مرصع بعدة جواهر ثمينة فلم يقبل السلطان غير القباء وإكديشاً واحداً وقطار بخات ورد البقيه إليه ليتقوى بها. وتقدم السلطان إلى الوزير أن يرتب لدمرداش ما يليق به وطلب إلى الحاجب أن يجلسه في الميمنة تحت الأمير سيف الدين آل ملك الجوكندار. فشق عليه ذلك إلى أن بعث السلطان إليه الأمير بدر الدين جنكلي يعتذر إليه أنه ما جهل قدره ولكن الشهيد والد السلطان له مماليك كبار قد ربوا السلطان فهو يريد تعظيم قدرهم " فلهذا أجلسك بجانبهم فطاب خاطره. واجتمع دمرداش بالسلطان وفاوضه في أمر بلاد الروم وأن يجهز إليها عسكراً. فأشار السلطان بالمهلة حتى يرد البريد بخبر أبيه جوبان مع أبي سعيد وكتب إلى ابن قرمان أن ينزل على القلعة التي فيها أولاد دمرداش وحواصله ويرسلهم مكرمين إلى مصر. فاستأذن دمرداش في عود من قدم معه إلى بلادهم فأذن له في ذلك فسار كثير منهم.
وهي يوم الإثنين حادي عشره: ركب دمرداش بالقماش الإسلامي على هيئة الأمراء. وفي تاسع عشره: قدم الأمير شاهنشاه ابن عم جوبان فخلع عليه وأنزل عند دمرداش. وفي ثامن عشريه: وصل طلب دمرداش وثقله فأنزلوا بدار الضيافة وهم نحو ستمائة فارس. وفي يوم الأحد أول ربيع الآخر: عرض السلطان أصحاب دمرداش وفرق أكثرهم على الأمراء واختار نحو التسعين منهم العود إلى بلادهم فعادوا. وفيه قدمت رسل أبي سعيد بكتابه وفيه بعد السلام والاستيحاش وذكر الود إعلام السلطان بأمر جوبان وتحكمه وقلة امتثاله الأمر وأنه قصد قتله والتحكم بمفرده فلما تحقق ذلك لديه بعثه إلى خراسان وسير بالقبض عليه وهو يأخذ رأي السلطان في ذلك وقد سير أبو سعيد مع رسله هدية فقبلت. وسألهم السلطان عن دمرداش فذكروا أنهم لم يعرفوا خبره حتى قدموا دمشق فبعثهم إليه فلم يعبأ بهم. وفي يوم الثلاثاء عاشره: توجه السلطان إلى الوجه البحري ومعه دمرداش وحسن له الفخر ناظر الجيش والأمير بكتمر الساقي زيارة الشيخ محمد المرشد فتوقف في زيارته ثم عزم عليها. فرسم للأمير علم الدين سنجر الخازن كاشف الغربية بطلب جميع العربان وتقديمهم الخيل والهجن وأن يجهز الإقامات. واستناب السلطان في غيبته الأمير قجليس. وعاد السلطان في
سادس عشريه بعد ما قدم الأمير تنكز في رابع عشريه. وفي تاسع شوال: خلع على الطواشي ناصر الدين نصر الساقي. واستقر مقدم المماليك عوضاً عن الطواشي صواب الركني. وفيه بعث السلطان الأمير سيف الدين أروج مملوك قبجق إلى أبي سعيد يشفع في دمرداش ومعه الرسل بهدية جليلة فساروا في تاسع جمادى الأولى. وفي يوم الأربعاء سادس عشر جمادى الآخرة: سار برهان الدين إبراهيم بن عبد الحق الحنفي على البريد إلى القاهرة وقد طلب فقدم يوم السبت خامس عشريه واستقر في قضاء القضاة الحنفية بديار مصر عوضاً عن شمس الدين محمد بن عثمان. محمد بن عثمان الحريري بعد وفاته. وفي يوم السبت عاشر رجب: عاد أطوجي من بلاد أزبك ملك القبجاق بتقادم جليلة فأنزل بالميدان وأنعم عليه وعلى جماعته بشيء كثير. وفي حادي عشره: حضر أطوجي إلى بين يدي السلطان فخلع عليه وسار في عشريه. وفي خامس عشريه: عقد نكاح ابنة السلطان على الأمير سيف الدين طغاي تمر العمري الناصر وأعفي الأمراء من حمل الشموع وغيرها وأنعم عليه من الخزانة بأربعة ألاف دينار عوضاً عن ذلك.
وفيه عاد جواب ابن قرمان بأنه ركب إلى القلعة التي فيها أهل دمرداش وعرفهم أنه حفر. بمرسوم السلطان وبعث إليهم بكتاب دمرداش أنهم يقدمون عليه بمصر فردوا جوابه: " لا حاجة لنا في مصر ". وذكر ابن قرمان أن هذا بمباطنة دمرداش لهم وحط عليه بأنه سفك دماء كثرة وقتل من المسلمين عالماً عظيماً وأنه جسور وما قصد بدخوله مصر إلا طمعاً في ملكها. وبعث ابن قرمان الكتاب صحبة نجم الدين إسحاق الرومي أنطالية وهي القلعة التي أخذها منه دمرداش وقتل والده وأنه قدم ليطالبه بدم أبيه. فلما وقف السلطان على الكتاب تغير وطلب دمرداش وأعلمه بما يه. وجمع السلطان بينه وبين إسحاق فتحاققا بحضرة الأمراء فظهر أن كلا منهما قتل لصاحبه قتيلاً فكتب جواب ابن قرمان معه وأعيد. وقد تبين للسلطان خبث نية دمرداش فقبضه وأمسك من معه من الأعيان وهم محمود شاهنشاه وعدة أخر في يوم الخميس العشرين من شعبان واعتقل دمرداش ببرج السباع من القلعة وفرق البقية في الأبراج وفرقت مماليكه على الأمراء ورتب له ما يكفيه. وكان للقبض على دمرداش أسباب: منها أنه كان له بالروم مائة ألف رأس من الغنم فلما وصلت قطيا أطلق منها للأمير بكتمر الساقي عشرين ألفاً ولقوصون وبقية الأمراء كل واحد شيئاً حتى فرق الجميع فلم يعجب السلطان ذلك. ودخل دمرداش يوماً الحمام فأعطي الحمامي
ألف درهم والحارس ثلاثمائة فزاد حنق السلطان منه. ثم أخذ دمرداش يوقع في الأمراء والخاصكية ويقول: هذا كان كذا وهذا كان كذا وهذا ألماس الحاجب كان حمالاً فما حمل السلطان هذا منه. وفي شوال: حسن جماعة للسلطان توفير كثير من الجوامك فعمل فيه استيمار وفرق فيه ما قطع من جوامك المباشرين والغلمات وهي جملة ووفر منهم عدة ثم قرئ عليه. وأحضر الصاحب أمين الدين عبدالله بن الغنام وخلع عليه وعلى مجد الدين إبراهيم بن لفيتة بغير طرحات واستقرا في نظر النظار والصحبة في يوم الإثنين نصف شوال. وفيه نقل شمس الدين إبراهيم بن قروينة إلى نظر البيوت وخلع عليه معهما. وفي تاسع عشريه: عقد نكاح الخاتون طلباي الواصلة من بلاد أزبك على الأمير سيف الدين منكلي بغا السلاح دار بعدما طلقها السلطان وانقضت عدتها وبنى عليها الأمير سيف الدين في ثامن ذي القعدة. وفي يوم الأربعاء ثاسع عشريه: عزل الصاحب أمين الدين بن الغنام عن نظر الدولة. وكان قد كتب قصة يطلب الإعفاء من المباشرة فلم يجب إلى ذلك فكتب قصة ثانية فأجيب فكانت مدة مباشرته أربعة وأربعين يوماً تحريراً.
وفي يوم الخميس ثامن ذي الحجة: أفرج عن الأمير حسام الدين لاجين العمري الملقب زيرباج الجاشنكير أحد المماليك المنصورية المشهورين بالشجاعة والقوة بعدما أقام في الاعتقال من يوم الإثنين ثالث ربيع الآخر سنة ثنتى عشرة مدة ست عشرة سنة وثمانية أشهر وخمسة أيام وهو يغزل الصوف المرعز ويعمله كوافي بديعة الزي وللناس فيها رغبة ويتصدق بثمنها. وفيه أفرج عن الأمير علم الدين سنجر الجاولي وكانت مدة اعتقاله ثماني سنين وثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً وكان فيها ينسخ القرآن وكتب الحديث ونحوه. وأفرج عن أمير فرج بن قراسنقر في يوم عرفة ثم أعيد إلى سجنه في يومه. وفيه سافر الأمير سيف الدين أيتمش إلى بوسعيد برسالة تتضمن ما قام به السلطان مع دمرداش بن جوبان وكان قد وصل إلى الأبواب السلطانية في يوم الأربعاء حادي عشر شهر رمضان رسل من عند أبي سعيد وهم ثلاثة نفر والمشار إليه منهم أياجي أمير جندار الملك أبي سعيد. فلما مثلوا بين يدي السلطان وكلهم الإنعام بالتشاريف على عادة أمثالهم أرسلهم السلطان إلى دمرداش في معتقله صحبة الأمير سيف الدين قجليس أمير سلاح فاجتمعوا به وتحدثوا معه. وقيل كان مضمون رسالتهم طلب دمرداش من السلطان وأنه إذا سلم إليهم أرسل الملك أبو سعيد في مقابلة ذلك الأمير شمس الدين سنقر المنصوري. فمال السلطان إلى
ذلك ورسم للأمير أيتمش المحمدي أن يتوجه إلى الملك أبي سعيد برسالة السلطان لتقرير الحال في ذلك وتوجه طلب دمرداش في يوم الإثنين سادس عشر شهر رمضان ثم عدل السلطان عن هذا الأمر وترحح عنده أنه لا يرسله إلى الملك أبي سعيد. فلما كان في ليلة الخميس رابع شوال: من هذه السنة أخرج دمرداش من معتقله بالبرج وفتح باب السر من جهة القرافة وأخرج منه وهو مقيد مغلول وشاهده رسل الملك أبي سعيد وهو على هذه الحال. ثم خنق دمرداش وشاهده الرسل بعد موته وقطع رأسه و سلخ وصبر وحشي وأرسل السلطان الرأس إلى أبي سعيد ودفن الجسد بمكان قتله. وحضر الرسل إلى الخدمة السلطانية في يوم الخميس رابع شوال وركبوا مع السلطان إلى الميدان في يوم السبت سادسه ثم حضروا إلى الخدمة السلطانية في يوم الإثنين ثامنه وكلهم الخلع والإنعام وأعيدوا إلى مرسلهم في هذا اليوم وتوجه معهم الأمير سيف الدين أيتمش المحمدي برسالة السلطان إلى الملك أبي سعيد كما تقدم وفيها وقع في زروع أرض مصر أفة من الدودة عند أوان الزرع عقيب حر شديد حتى عم ذلك أكثر الزرع فكتب إلى الولاة بكتابة ما تلف فوجد قد تلف في بعض البلاد نصف الزرع وما دونه في غيرها. وتحسن السعر فبلغ القمح إلى عشرين الأردب بعد ثلاثة عشر.
وفيها هبت ريح سوداء بعدما أرعدت السماء وأبرقت حتى كان الإنسان لا يبصر رفيقه وحتى ردت وجوه الحيل إلى ورائها و لم يستطع أحد أن يثبت فوق فرسه ولا أن يقف على رجليه فوق الأرض بل تلقيه الريح وكان ذلك ببلاد فوة بحر الغرب وسائر الوجه البحري. وغرق بها من المراكب شي ء كثير وتقصفت عدة من النخل واقتلعت شجرة جميزه كبيره من أصلها بناحية فوه ومرت بها قدر مائتي قصبة فلما قطعت حمل خشبها تسعة أحمال جمال. ومر من ذلك في البرين الغربي والشرقي عجائب وهدمت عدة دور ثم أمطرت بعد أيام مطراً عظيماً سال منه إلى مدينة بلبيس حتى خرب كثير منها وجرى السيل إلى المطرية وأمطرت بالقاهرة ومصر ثلاثة أيام مطراً لم يعهد مثله تلف منه عامة السقوف. وفيها اشتد بأس الأمير قدادار والي القاهرة وتسلط على العامة بكثرة سفلك الدماء. وكان قد رسم لجميع الولاة ألا يقتلوا أحداً ولا يقطعوا يده إلا بعد مشاورة السلطان خلا قدادار فإنه لا يشاور على مفسد ولا غيره. فانطلقت يده في سائر الناس وأقام عنه نائباً من بطالي الحسينية ضمن المسطبة منه في كل يوم بثلاثمائة درهم وأتت الطائفة المعروفة بالمستصنعين في المدينة وعملوا أعمالاً شنيعة وكتبوا لأرباب الأموال أوراقاً بالتهديد فاشتد خوف أهل الرتب منه. ونادى قدادار ألا يفتح بعد عشاء الآخرة أحد دكاناً في مدة غيبة السلطان في الوجه
البحري ولا يمشي أحد بالليل في الأسواق ولا يخرج أحد من بيته بعد عشاء الآخرة فكان من يوجد يؤخذ فإن وجدت منه رائحة الخمر لقي شدة. فانكف الناس عن الخروج ليلاً وصارت الشوارع موحشة. وأقام قدادار على كل حارة درباً ألزم أهلها بعمله ورتب الخفراء تدور في الليل بطبول في جميع الحارات والخطط فظفر أحدهم برجل قد سرق من بيت ولبس ثياب النساء فسمره قدادار بباب زويلة. وفيها قدم البريد من صفد ومعه مبلغ أربعين ألف درهم حملاً للموقعين فأخذ قريباً من بلبيس. فألزم السلطان واليها علم الدين قصير - مملوك العلائي - بها بعدما رسم بشنقه ثم عفا عنه وعزله. وفيها ولي ظلظيه الشرقية نقله السلطان إليها من البهنسا وولي عوضه شجاع الدين قنغلي. وفيها ولي عز الدين أيدمر السلامي المنوفية فتفنن في إتلاف الأنفس وأوقف رجلاً بين خشبتين ونشره من رأسه وصلق أخر في دست وسلخ أخر وهو حي. وفيها عزم السلطان على أن يجري النيل تحت القلعة ويشق له من ناحية حلوان فبعث الصناع صحبة شاد العمائر إلى حلوان وقاسوا منها إلى الجبل الأحمر المطل على القاهرة وقدروا العمل في بناء الواطي حتى يرتفع وحفر العالي ليجري الماء وينتفع به في داخل قلعة الجبل من غير معاناة ولا كلفة. ثم عادوا وعرفوا السلطان ذلك فركب لكشفه وقاسوا الأرض بين يديه. فكان قياس ما يحفر اثنين وأربعين ألف قصبة حاكمية ليبقى خليجاً فيه ماء النيل شتاءً صيفاً بسفح الجبل. وعاد السلطان وقد أعجب بمشروعه وشاور الأمراء فيه فلم يعارضه منهم أحد إلا الفخر ناظر الجيش فإنه قال: بمن يحفر السلطان هذا الخليج " فقال السلطان: " بالعسكر فقال الفخر: " والله لو اجتمع عسكر أخر فوق عسكر السلطان وأقام سنين ما قدروا على حفر هذا العمل. ومع ذلك فإنه يحتاج إلى ثلاث خزائن من المال. ثم هل يصح أو لا فالسلطان لا يسمع كلام كل أحد ويتعب الناس ويستجلب دعاءهم ". ونحو هذا من القول حتى رجع السلطان عن عمله. وفيها كملت العين التي أجراها الأمير تنكز بالقدس بعد ما أقام الصناع فيها مدة سنة وبنى لها مصنعاً سعته نحو مائتي ذراع وركب في الجبل مجاري نقب لها في الحجر حتى دخل الماء إلى الفدس فكان لها يوم شهود. وأنشأ تنكز بالقدس أيضاً خانكاه وحمام وفيسارية فعمرت القدس. وفيها أفرج عن تقي الدين أحمد بن تيمية بشفاعة الأمير جنكلي بن البابا وغيره من الأمراء. وفيها أجري ابن هلال الدولة عيناً بمكة تعرف بعين ثقبة فصار بمكة عين جوبان وعين ثفبة وانحلت الأسعار بها حتى نزل القمح من ستين درهماً الغرارة إلى أربعين وزرع بها البطيخ والذرة والخضروات وغيرها وامتلأت البرك وكملت عمارة الحرم. وجدد ابن هلال الدولة. بمكة عدة ميض باسم السلطان وأجري لها ما يقوم بكلفتها. وفيها ورد الخبر بقتل حوبان نائب أبي سعيد. وذلك أن العسكر المجهز معه لما وصل إليهم خبر قتل أولاده بأمر أبي سعيد ووصلت إليهم كتب أبي سعيد بقتله أيضاً ركبوا عليه ففر ومعه ابنه جلوخان وطائفة من خواصه إلى قلعة هراة وامتنع بها فدس إليه أبو سعيد من قتله وابنه وحملا إلى أبي سعيد فكان لدخولها الأردوا يوماً عظيماً. وفيها حج بالركب المصري شهاب الدين أحمد بن المهمندار. وحج في هذه السنة أيضاً الأمير سيف الدين طقزدمر الناصري وست حدق وعلمت معروفاً كبيراً. وفيها قدم ابن هلال من مكة فخلع عليه وأعيد إلى شد الخاص. وفيها طلب صلاح الدين يوسف دوادار فبجق من طرابلس وولي شد الدواوين. وفيها تنكر السلطان على الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي الوزير. وسببه عمل الفخر ناظر الجيش عليه بموافقة التاج إسحاق وقد كتبت فيه مرافعة غضب السلطان بسببها عليه وقصد وفي يوم عرفة وهو يوم الجمعة: أفرج عن الأمير علم الدين سنجر الجاولي ومدة سجنه ثماني سنين وثلاثة أشهر وتسعة أيام. ومات في هذه السنة من الأعيان شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله ابن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني بدمشق ليلة الإثنين العشرين من ذي القعدة في سجنه بالقلعة. ومولده يوم الإثنين عاشر ربيع الأول سنة احدى وستين وستمائة. ومات الأمير سيف الدين جوبان المنصور أحد أمراء دمشق الأكابر بها في العشرين من صفر. ومات الأمير سيف الدين بكتمر البوبكري بسجنه من قلعة الجبل يوم الخميس نصف شعبان. ومات الأمير جوبان بن تلك بن تداون نائب القان أبي سعيد بن خربندا مقتولاً بهراة وحمل إلى بغداد فقدمها في سابع عشرى شوال وصلي عليه وحمل إلى مكة مع ركب الحاج العراق وطيف به الكعبة ومضي به إلى المدينة النبوية فدفن بالبقيع. ومات الشريف كبيشة بن منصور بن جماز بن شيحة أمير المدينة في أول شعبان قتيلاً. وكانت ولايته بعد قتل أبيه منصور في رابع عشر رمضان سنة خمس وعشرين وسبعمائة قتله أولاد ودي وكان ودي قد حبس بقلعة ومات الأمير جمال الدين خضر بن نوكاي أخو خوند أردوكين في ليلة الرابع عشر من رمضان. ومات الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري بالمراغة من آذربيجان يوم السبت سابع عشرى شوال وورد الخبر بموته في حادي عشرى ذي القعدة فأنعم على ولده أمير علي بن قراسنقر بإمرة طلبلخاناه على عادته بدمشق وعلى أخيه أمير فرج بن قراسنقر بأمرة عشرة ورسم بسفرهما من القاهرة إليها. وتوفي دمرداش بن جوبان بن تلك بن تدوان ليلة الخميس رابع شوال وحمل رأسه إلى بوسعيد بن خربندا. ومات ببغداد مفتي العراق كمال الدين عبدا لله بن محمد بن علي حماد بن ثابت الواسطي العاقولي مدرس المستنصرية في ذي القعدة. ومولده في سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
|